المملكة العربية السعودية- قوة عالمية محورية في صناعة القرار الدولي

المؤلف: وفاء الرشيد10.06.2025
المملكة العربية السعودية- قوة عالمية محورية في صناعة القرار الدولي

تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً شاملاً غير مسبوق في شتى الميادين، مدفوعة برؤية استراتيجية طموحة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه النهضة الشاملة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج تخطيط دقيق وجهود حثيثة، مما جعل المملكة لاعباً محورياً على الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً، على غرار تجارب العديد من الدول العظمى التي سطرت مستقبلها برؤى استراتيجية ثاقبة، مثل خطة "الميجي" في اليابان التي أدت إلى نهضة اقتصادية مذهلة، أو مشروع "مارشال" الذي ساهم في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

بقيادة الأمير محمد بن سلمان، سطع نجم السعودية كقوة دبلوماسية مؤثرة، مستندة إلى رؤية 2030، التي تشكل خارطة طريق نحو المستقبل، وترسم معالم تحول اقتصادي وتنموي متكامل. من خلال هذه الرؤية الطموحة، تمكنت المملكة من تعزيز مكانتها العالمية، وترسيخ موقعها كدولة ذات نفوذ يمتد إلى مختلف القضايا الدولية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، على غرار النجاح الباهر الذي حققته الصين في التحول إلى قوة اقتصادية عالمية عبر سياسة "الإصلاح والانفتاح" التي أطلقها دنغ شياو بينغ في أواخر السبعينيات.

في خضم التحولات العالمية المتسارعة، تألق الأمير محمد بن سلمان كقائد يتمتع ببصيرة استراتيجية وقدرة فائقة على بناء تحالفات راسخة، على الرغم من التحديات والضغوط المتزايدة. علاقاته المتميزة مع القوى الكبرى تعكس نضجه السياسي وحرصه الدائم على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، بما يخدم المصالح السعودية والإقليمية على حد سواء. ولعل نجاحه الملحوظ في تعزيز العلاقات مع واشنطن وموسكو يجسد مهاراته الفائقة في إدارة الملفات الحساسة، في ظل الظروف الجيوسياسية المعقدة، بما يحقق الاستقرار في أسواق الطاقة ويعزز التعاون في المجالات الحيوية الأخرى. هذه السياسة الرشيدة تذكرنا بمناورات تشرشل السياسية الذكية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع ببراعة تكوين تحالفات معقدة ضمنت انتصار الحلفاء.

المملكة العربية السعودية اليوم ليست مجرد قوة اقتصادية فحسب، بل هي مركز حيوي لصناعة القرار العالمي، حيث أصبحت الرياض وجهة رئيسية للقادة والزعماء، تستضيف القمم والاجتماعات الهامة التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة للعالم. وفي هذا السياق، تأتي الاستعدادات لعقد اجتماع تاريخي بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا على أرض المملكة، في خطوة تعكس المكانة المرموقة التي وصلت إليها السعودية كوسيط موثوق لحل الأزمات الكبرى، كما حدث في مؤتمر "يالطا" عام 1945 الذي أعاد تشكيل النظام العالمي بعد الحرب.

هذا التطور الدبلوماسي الهائل يأتي في وقت يشهد فيه العالم توترات متزايدة، لا سيما في ظل التنافس المحموم بين القوى الكبرى، والأزمات المتفاقمة في الشرق الأوسط وأوروبا. وعلى الرغم من هذه التعقيدات الجمّة، نجحت القيادة السعودية في أن تكون طرفاً محايداً يتمتع بالقدرة على تقريب وجهات النظر المتباينة، مما جعلها شريكاً أساسياً في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار العالمي. على غرار الدور الذي اضطلعت به سويسرا خلال الحربين العالميتين، حيث تبنت الحياد، ولكنها لعبت دور الوسيط النزيه في محادثات السلام والاتفاقيات الدولية.

على مر السنين، عززت المملكة العربية السعودية مكانتها الرفيعة من خلال استضافة قمم هامة جمعت قادة العالم، بدءاً من القمم العربية والإسلامية، وصولاً إلى المنتديات الاقتصادية الكبرى. واليوم، تأتي هذه القمة المرتقبة لتؤكد أن المملكة ليست مجرد دولة إقليمية مؤثرة، بل قوة عالمية تمتلك أدوات التأثير الفعال وتساهم بفاعلية في تشكيل مستقبل العالم، كما فعلت بريطانيا خلال حقبة الإمبراطورية التي كانت توصف بأنها "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، حيث لعبت دوراً محورياً في صياغة التحالفات الدولية وتحديد مسارات الاقتصاد العالمي.

إن ما يميز النهج السعودي في إدارة العلاقات الدولية هو التوازن العميق والحكمة البالغة، حيث استطاع الأمير محمد بن سلمان أن يقود دبلوماسية تعتمد على مد جسور التواصل، لا تأجيج نار الصراعات، وهو ما جعل الرياض عاصمة للحلول البناءة لا للأزمات المدمرة. ولعل نجاحه الملحوظ في خلق بيئة حوار بنّاء بين القوى الكبرى يعكس مدى مصداقية النهج السعودي، الذي يقوم على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز التعاون الدولي في شتى المجالات. وهذا النهج يضاهي إلى حد كبير الدور التاريخي الذي لعبته الولايات المتحدة في إنهاء الحرب الباردة عبر مفاوضات استراتيجية بين ريغان وغورباتشوف، والتي ساعدت على تفكيك الاتحاد السوفيتي وإرساء نظام عالمي جديد.

إن الدور المتنامي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية على الساحة العالمية ليس مجرد ضربة حظ، بل هو نتاج رؤية استشرافية بعيدة المدى، تتبنى سياسات متوازنة، وتستند إلى معايير واضحة في التعامل مع التحديات الدولية المعقدة. هذا الحضور القوي يعكس قدرة المملكة الفائقة على تحقيق طموحاتها الجبارة، ويعزز مكانتها كقوة صاعدة في المشهد العالمي، لها كلمتها المسموعة وتأثيرها البالغ في رسم مستقبل النظام الدولي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة